الحوثيون بين حلم السيطرة وكابوس الهزيمة.. مارب قلعة الصمود ومنطلق التحرير

الحوثيون بين حلم السيطرة وكابوس الهزيمة.. مارب قلعة الصمود ومنطلق التحرير

تحضر محافظة مأرب كشاهد حيٍّ على عجز مليشيا الحوثي عن تحقيق مشروعها السلالي، بعدما تحولت إلى مقبرة مفتوحة لجحافلها طيلة سنوات الحرب، وأصبحت الصخرة الصماء التي تكسرت عليها أحلام الكهنوت ومساعيه في القضاء على الجمهورية، وتبددت على تخومها روايات القوة الحوثية الزائفة.

 

وفقًا لإحصائيات الحوثيين أنفسهم، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية ، فقد لقي ما يزيد عن 15ألفًا من عناصر مليشيا الحوثي الإرهابية مصرعهم خلال 5 أشهر في 2021 فقط في جبهتي الكسارة والجوبة بمحافظة مأرب، ما دفع المليشيا حينها بالبحث عن مخرج والتوسط للتهدئة وقبول الهدنة.

 

اليوم وبعد ثلاث سنوات من توقف الحرب، دفعت مليشيا الحوثي بتعزيزات عسكرية كبيرة نحو جبهات متفرقة في مأرب خلال الأيام الماضية، وشنت هجمات متفرقة على مواقع الجيش الوطني، متناسيةً ثقل تعثراتها السابقة وإحصائيات خسائرها المهولة على البوابة نفسها قبل أعوام.

 

- مأرب.. حصن الجمهورية والنواة الأولى للمقاومة:

منذ الأشهر الأولى لانقلاب مليشيا الحوثي على السلطة في 2014 وتوسعها في محافظات البلاد، وقفت مأرب كحجر عثرة أمام الانقلاب ومحاولات جحافل الكهنوت في الدخول إلى المحافظة وبسط السيطرة عليها والتمدد إلى المحافظات المجاورة.

 

تداعت قبائل مأرب وقواتها الأمنية حينها رفضًا لمشروع الإماميين الجدد والوقوف كحصن منيع للجمهورية، معلنين النكف وخوض معركتهم ضد مليشيا الحوثي الانقلابية، ليشكل رفضهم آنذاك النواة الأولى للمقاومة الشعبية الوطنية وأرضية لبناء الجيش الوطني.

 

وطيلة سنوات الحرب، أصبحت مأرب كابوسًا يقض مضاجع الكهنوت، وتحولت رمال صحاريها إلى موت أحمر يبتلع جحافل الحوثي ويستنزف قواته، فقد دفعت مليشيا الحوثي، في فترة المواجهات، بآلاف مقاتليها إلى جبهات مأرب، ليعودوا جميعهم محملين في صناديق الهزيمة الخضراء.

 

ووفقًا لإحصائية حكومية رسمية، سقط ما يزيد عن 27 ألف صريع من مقاتلي مليشيا الحوثي الإرهابية في معارك محافظة مأرب منذ بدء اندلاع المواجهات، وتقدر أعداد جرحاهم بضعفي هذا الرقم.

 

- محاولات بائسة للخروج من المأزق:

تشير تقارير دولية إلى أن التصعيد الحوثي الجديد يأتي سعيًا لتحقيق مكاسب استراتيجية، خاصة في ظل الضغوط الدولية المتزايدة، ومحاولة بائسة للبحث عن بديل اقتصادي لتعويض خسائرها، لا سيما بعد فقدان الحوثيين القدرة على تخزين الوقود في موانئ الحديدة ورأس عيسى، نتيجة الهجمات الإسرائيلية الأخيرة.

 

ويلفت مراقبون إلى أن الحوثيين يدركون أن تصنيفهم كجماعة إرهابية سيحدّ من قدرتهم على المناورة السياسية والمالية، ولهذا فهم يسارعون إلى تكثيف العمليات العسكرية لتعزيز موقفهم التفاوضي قبل أي محادثات سلام مستقبلية.

 

تصعيد الحوثيين في مأرب لا يرتبط فقط بالجوانب الاقتصادية والسياسية، بل يحمل أيضًا بعدًا داخليًا مهمًا. بحسب مراقبين، فإنه مع تصاعد الخلافات داخل أجنحة الجماعة، يسعى قادتها إلى تحقيق انتصارات عسكرية تعزز قبضتهم على المشهد الداخلي، وتمنحهم المزيد من أوراق الضغط.

 

في هذا السياق، قال المحلل العسكري العقيد عبدالباسط البحر، إن هناك أبعاد عسكرية وسياسية وراء تصعيد مليشيا الحوثيين الانقلابية لهجماتها في مأرب وخاصة منذ توقف الأنشطة العسكرية الخارجية تحت ذريعة نصرة غـزة.

 

وأضاف البحر، في تصريحات خاصة لـ"الصحوة نت"، أن مليشيا الحوثي أصبحت اليوم تواجه مأزقًا في إيجاد مبررات جديدة لاستمرارها في القتال والنهب، خاصة بعد الهدنة الأخيرة وتوقف غارات التحالف العربي عن استهدافهم منذ ثلاثة أعوام.

 

وأوضح أن التصعيد الحوثي الأخير هو محاولة أخيرة وبائسة، لأنه يدرك أن أي تسوية سياسية حقيقية مقبولة ستجبرهم على تسليم السلاح والعاصمة، وبجانب ذلك فإن تحركاتهم الاخيرة ناتجة عن خوفهم المتعاظم من تحرك عسكري متوقع في أي لحظة على الأرض يفقدهم المزيد من المكاسب.

 

إلى جانب ذلك، يأتي التصعيد الحوثي كحيلة لاستمرار التعبئة وفرض الجبايات واسكات الأصوات المطالبة بالإصلاحات والخدمات والمرتبات في مناطقها، حيث يساعدها ابقاء الجبهات مشتعلة على امتصاص السخط الشعبي وإلهاء المواطنين عن مطالبهم المعيشية، وفقًا لحديث عبدالباسط البحر.

 

- مأرب.. أهمية استراتيجية وسياسية:

تمثل مأرب مركزًا اقتصاديًا حيويًا للحكومة الشرعية، حيث تضم حقول النفط والغاز في منطقة صافر، إضافة إلى محطة مأرب الغازية التي توفر الطاقة لعدد من المحافظات، كما أصبحت المدينة موطنًا لملايين النازحين الذين فروا من مناطق سيطرة مليشيا الحوثي.

 

اقتصاديًا، تحولت مأرب إلى مركز مالي واستثماري، حيث لجأ إليها رجال الأعمال بعد أن ضيّقت مليشيا الحوثي الخناق على الأنشطة الاقتصادية في صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرتها، كما أصبحت المدينة وجهة رئيسية للتجارة والاستثمارات في المناطق المحررة.

 

وفي هذا الشأن، أوضح العقيد البحر، في تصريحاته لـ"الصحوة نت"، أن الحوثي يعي جيدًا رمزية مأرب، باعتبارها آخر وأهم قلاع الجمهورية وحصونها، مشيرًا إلى أن محاولات استهداف الحوثي لمأرب هو استهداف لفكرة الجمهورية والدولة بشكل عام، ومحاولة لإلغاء وجودهما.

 

وأضاف: إلى جانب ثقل مدينة مأرب السياسي، فهناك أيضًا الموارد الاقتصادية الحيوية داخل مأرب، حيث تسعى المليشيا الحوثية من خلال تصعيدها الأخير في جبهات مأرب، إلى السيطرة على ثروات وموارد المحافظة، لا سيما بعد أن ضاقت السبل عقب العقوبات الأميركية وصعوبة التهريب وتلقي الدعم الإيراني.

 

- التصعيد الأخير وموقف القبائل والجيش:

تمكنت القوات الحكومية من صدّ العديد من محاولات التقدم، حيث أعلنت قوات الجيش، عبر موقع "سبتمبر نت"، أنها أحبطت عدة عمليات عدائية استخدمت فيها الميليشيات الطائرات المسيّرة المفخخة وصواريخ الكاتيوشا.

 

كما رصدت وحدات الاستطلاع العسكري تحركات الحوثيين المستمرة، حيث يقومون بشق طرقات واستحداث تحصينات في مختلف الجبهات. وتشير التقارير إلى أن الجماعة تحاول استغلال الوقت قبل دخول العقوبات الأميركية حيز التنفيذ.

 

من جهتها، لم تقف القبائل المأربية مكتوفة الأيدي أمام التصعيد الحوثي الجديد، حيث عقدت قبائل مراد وبني عبد وتعدان وغيرها من القبائل عدة اجتماعات ووقفات قبلية خلال الأيام الماضية، مشيرة إلى جاهزيتها للدفاع عن مأرب وقتال المليشيات، ورفضها لأي مفاوضات محتملة لا تؤدي إلى تحرير مديرياتهم بالكامل.

 

وشددت القبائل على أن مأرب التي استعصت على الحوثيين في ذروة قوتهم العسكرية، لا تزال اليوم أكثر صلابة واستعدادًا لأي مغامرة جديدة قد يراهنون عليها، مؤكدة أن مأرب ستبقى الحصن المنيع للجمهورية، وستثبت دائمًا أن الجمهورية لم تولد لتُهزم، وأن من راهن على إسقاطها لن يعود إلا محمَّلًا بالهزيمة والهوان.

القائمة البريدية

أشترك معنا في القائمة البريدية لتصلك كل الاخبار التي تنشرها الصحوة نت

تواصل معنا

الجمهورية اليمنية

info@alsahwa-yemen.net

الصحوة نت © 2023 م